زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم (المثل الاعلى للزوجة الوفيه

زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم ( المثل الاعلى للزوجة الوفية)

_________________________ ___

لم تبق الا مراحل قليلة من الطريق الطويل الذي يربط مكة حاضرة العرب وقبلة عباداتهم قبل الاسلام بشمال الجزيرة العربية وشرقها حيث تذهب قوافل اثرياء العرب وتجارتهم لتجلب الثيلب والميرة وحاجات الناس, وهذه قافلة ضخمة تتهادى في طريقها الى مكة وارباب القافلة ينصتون في طرب الى حادي الابل يغني لها , فتطيل خطوها وتسرع في سيرها ... الا شاب انيق عليه سيماء العزة وعلامة السؤدد قد سبق بفرسه القافلة يشدو بقصيدة من شعر الغزل يطرح فيها حبه ولواعج اشواقه ويتمنى لو يطير بجناحين الى مكة ويسبق القافلة , فقد طال شوقه وحنينه الى هذه الفتاة الكريمةالتي نشأت وتربت في بيت كريم والتي يتمنى زواجها..

وتصل القافلة غايتها, ويخرج اليها الناس يتفقدون ماتحمل من بضاعة وما تضم من رجال وعبيد طالت غيبتهم عن بلدهم...وكان الشاب الانيق قد سبق القوم فدخل احياء مكة وقصد منازل السادة من قريش متجاوزا أكواخ العبيد واسواق الخمور وزحام الناس حول المرابين.. يقترضون الاموال!! وينعطف الشاب فيدخل احد المنازل التي تنم عن عرافة اهلها ومكانتهم , فتستقبله ربة الدار في لهفة وشوق , انها هالة بنت خويلد بن اسد اخت خديجة بنت خويلد زوجة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام, ذلك المنزل الذي اتصف اهله بالحكمة والطهارة والغنى. وكان الفتى ابنها .. ابا العاص بن الربيع الذي ورث شمائل هذا البيت وعراقته .. ومايكاد المسافر يلقى عصا ترحاله ويدور بينه وبين امه حديث اللقاء حتى تنطلق امه الى اختها خديجة لتخطب ابنتها زينب من زوجها محمد الى ابنها ابي العاص..ويوافق محمد , فان ابا العاص من رجال مكة المعدودين مالا وامانه وتجارة.
وزفت زينب الى ابي العاص والتقى الحبيبان وانطلق بهما زورق الاحلام الى افاق بعيدة
ولم يكن الوحي قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم يوم تزوجت زين من ابي العاص, حتى اذا نزل الوحي بدأت امواج القلق تزعزع ذلك الزورق الساكن الذي يتهادى بأمان...فقد عرض الرسول عليه الصلاة والسلام الاسلام على ابي العاص , فأبى وأصر على الشرك واسلمت زينب ومكثت في منزله وهو على شركه فلم تكن الاداب والقواعد الخاصة بالزواج قد نزلت بعد على النبي...

كان لابد للنبي ان يشق للدعوة طريقها وان يصدع بما يؤمر.. وكان لا بد من الصدام بين قريش قادة العرب والقائمة بامر عبادتها وبين هذه الدعوة الجديدة التي تريد ان تسلبهم نفوذهم وسلطانهم وتقضي على مكانتهم التي استقرت لهم منذ زمن طويل بين العرب..فاوقعت قريش بالمسلمين كل انواع الاضطهاد فحاصروهم وصادروا اموالهم وعذبوهم وسجنوهم وكان لابد للدعوة ان تبحث لها عن طريق النجاة..وقد تحقق ذلك بالهجرة الى بلد اخر ..فكانت الهجرة الى الحبشةثم الى المدينه بعد ان تولى الانصار حماية الدعوة...فهاجر الرسول عليه الصلاة والسلام الى المدينه وبقيت زينب محبوسة في بيت ابي العاص.. وتتدافع الامور وتتصاعد المواجهة بين قريش والمسلمين وتبدا غزوة بدر التي اراد بها المشركون القضاء على الاسلام قبل ان يقوى ويشتد ويهدد امنهم وتجارتهم, ويتحقق نصر الله للمؤمنين في اول مواجهة غير متكافئة القوة فيقتلون صناديد المشركين وشجعانهم ويأسرون الكثير ..ويرجع المشركون منكسة رؤوسهم, وتقوم النادبات في احياء مكة يندبن السادة الذين هلكوا من قريش.

وتخرج زينب ويخفق قلبها ويرجف فؤادها تسمع اخبار زوجها الذي خرج مع المشركين لقتال المؤمنين بعد ان حاولت ان تكفه عن الخروج فابى..لقد علمت انه وقع اسيرا فحمدت الله انه لم يقتل.. رغبه في اسلامه في ما بعد
وينادي المنادي في محافل مكة ان من كان له اسيرا فليبعث بفديته الى محمد وتسارع زينب فتدفع فدية زوجها قلادة كانت تحلي بها عنقها اهديت اليها من امها خديجة يوم زفافها...ويفك الاسرى واحدا بعد اخر بعد ان تدفع دياتهم للنبي ويأتي دور العاص ويقدم القلادة!ويتأمل النبي عليه الصلاة والسلام القلادة فيطيل فيها النظر ويرق لرؤيتها فقد بعثت فيه ذكريات احب الناس اليه زوجته خديجة التي اوته اذ طرده الناس وصدّقته حين كذبوه..وكانت عونا له في اشد ايامه ضيقا وحرجا..ثم توجه النبي الى القائمين على امر الاسرى قائلا: (ان رايتم ان تطلقوا لها اسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا) فقالو:نعم يارسول الله ,فاطلقوه وردوا له امواله وقلادة زوجته , واخذ النبي عهدا على ابي العاص ان يخلي سبيل زينب اليه..فلما عاد ابو العاص الى مكة والتقى بزينب حاولت ان تثينه عن شركه فما استطاعت وكان لابد من الفراق!! فكلف ابو العاص اخاه كنانة بن الربيع ان يخرج بها الى مكة سرا حتى يبلغ بها بطن ياجج (مكان يبعد عن مكة ثمانية اميال) فيتركها لزيد بن حارثة ورجل من الانصار كان عليه الصلاة والسلام قد كلفهما بالسفر الى مكة وصحبة زينب من هذا المكان...وخرجت عيون قريش وجواسيسها تنبش الطرقات بحثا عن المستضعفين الذين يفرون الى محمد, وحينما اناحت زينب راحلتها في الطريق لتضع عليها متاعها لتلتحق بابيها لقيتها هند بنت عتبة,فظنتها مهاجرة لتلتحق بابيها وارادت ان تتاكد من ذلك , فقالت هند: اي ابنه عمي , لقد بلغني انك تريدين اللحوق بابيك , فقالت زينب ما اردت ذلك ,فقالت هند اي ابنه عمي ان كان لك حاجة بمتاع يعينك في سفرك او مال تبلغين به الى ابيك فان عندي حاجتك فلا تمتنعي من فانه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال , فقالت زينب: فوالله مارايتها قالت ذلك الا لتفعل , ولكني خفتها فانكرت ان اكون اريد ذلك..وتجهزت ولما فرغت من جهازها قدم لها حموها كنانة بن الربيع اخو زوجها بعيرا فركبته واخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها وهي في هودج لها, وعلمت قريش فخرجوا في طلبها حتى ادركوها بذى طوى (مكان قرب مكة) فكان اول من سبق اليها هبار بن الاسود بن عبد العزى ونافع بن قيس الفهري فروّعها هبار بالرمح وهي في هودجها وكانت حامل فطرحت مافي بطنها , ولما راى ذلك حموها وضع في قوسه سهما ووجهه الى القوم قائلا: والله لا يدنو مني رجل الا وضعت فيه سهما . فتراجع الناس عنه واتاه ابو سفيان حتى وقف عليه , فقال: ايها الرجل كف عنا نبلك (قوسك) حتى نكلمك, فاقبل ابو سفيان حتى وقف عليه وفقال: انك لم تصب خرجت بالمرأة على رؤوس الرجال علانية بين اظهرنا ان ذلك عن ذل اصابنا من مصيبتنا ونكبتنا التي كانت (يقصد هزيمتهم في بدر) وان ذلك ضعف منا ووهن ..لعمري ما لنا حاجة في حبسها عن ابيها وما لنا في ذلك ثأر. كان ابو سفيان يريد ان يبدي ان السلطة لاتزال بيد قريش وان كنانه اخطا في خروجه بزينب علنا فقد يظن العرب ان في ذلك تحديا وان قريشا اصيبت بالضعف والوهن منذ هزيمتها في بدر..فلما دخل الليل وهدأت الاصوات خرج بها ليلا حتى اسلمها الى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها الى الرسول عليه الصلاة والسلام..
اقام ابو العاص في مكة بين قومه واقامت زينب في المدينه عند ابيها وقد فرق بينهما الاسلام..وتوالت الايام والسنون , كل مقيم على حبه حتى خرج ابو العاص في تجارة له الى الشام قبل فتح مكة ومعه اموال قريش , فقد كان مأمونا لغناه واخلاقه السامية التي عرف بها بين قومه وبينما هو قافل من الشام لقيته سريه فصادرت مامعه من الاموال وفر هو هاربا في عرض الصحراء فلم يتمكنوا منه وعادت السرية الى المدينه بما غنمت . وحينما زحف الليل وغمر الظلام كل شيئ, اقبل ابو العاص تحت جنح الليل ودخل على زينب فأذهلتها المفاجأة, ولكنها عادت فهدأت نفسها وسكنت هواجسها وبدأت تفكر في حمايته فما زال يحبها ومازالت تحبه ولكنها العقيدة اعز مايملكه الانسان تقف حائلا بين جمع الشمل..ورأت زينب ان تجير ابي العاص حتى لا يتعرض للموت من المسلمين وكانت الاجازة تقتضي الاعلان عنها حتى يلتزم الجميع بها فلا يقع اعتداء على المجار
وانتظرا حتى اقبل الفجر وتتابع المسلمون للصلاة وكان المسجد مجاورا لبيت النبي عليه الصلاة والسلام, وهنا قالت زينب من الجانب الذي فيه النساء: ايها القوم اني قد اجرت ابا العاص بن الربيع , ثم اصطف المسلمون للصلاة وتقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم , ثم اقبل عليها فقال: (ايها الناس هل سمعتم ماسمعت؟ قالوا : نعم. قال: اما والذي نفس محمد بيده ماعلمت بشئ كان حتى سمعت ماسمعتم )
انه يجير على المسلم ادناهم, ثم انصرف فدخل على ابنته فقال: اي بنية اكرمي مثواه ولا يخلص اليك (يصل اليك) فانك لاتحلين له مادام مشركا.
اذ هذا هو خلق الاسلام, فالنبي عليه الصلاة والسلام احال الامر للمسلمين , ثم ازاح الشك من قلوب المسلمين فأعلمهم انه لم الامر ولم يكن على علم به ثم ذكر ان اقل المسلمين من حقه ان يجير من يشاء من المشركين (وان احد من المشركين استجارك فأجره)..وكيف وصى ابنته بمعاملة من اجارت معاملة حسنه وكيف بين لها حكم الشرع في زواجها وانها اصبحت عليه محرمه..
ولكن ابا العاص تأسره هذه الاخلاق وتأخذ باقطار نفسه فيعرف عظمة هذا الدين فيخرج الى مكة ليؤدي امانات الناس وحقوقهم ويرجع الى زوجته الوفيه يكافؤها على وفائها باحسن ماكانت تتمناه وهو اسلامه فيهاجر الى المدينه ويعلن اسلامه سنه 7 هجرية ويرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنكاح جديد فيسعد ابو العاص وينشد في الناس قصيدة ختمها بقوله:
بنت الامين جزاها الله صالحة *** وكل بعل سيثنى بالذي علما
فتفرح زينب باسلام زوجها ويفرح المسلمون باسلام فارس جديد من اعظم بيوت قريش بسبا وصهرا ليحامي عن الاسلام ويرفع رايته خفاقة في العالمين